منذ التسعينيات، والسياسات الاقتصادية المتبعة في لبنان مرتكزة على الاقتصاد الريعي، لا القطاعات المنتجة. ما خلق نمواً غير متوازن بين القطاعات وكشف عن مشكلة جوهرية في بنية الاقتصاد، خصوصاً وأن قطاع التجارة والخدمات قد تطوّر بمعزل عن القطاعات الأخرى.
وتعرضت الصناعة للعديد من “الخضات” خلال السنوات الماضية. إذ شلت جائحة كورونا هذا القطاع ليس فقط في لبنان بل في العالم أيضاً، لما تسببته من انقطاع في سلاسل التوريد والإنتاج. كما ارتفعت أسعار الطاقة عالمياً بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية، ما انعكس بطبيعة الحال على لبنان. كل ذلك يعتبر بعضاً من تأثيرات العوامل الخارجية، فما هي حال العوامل الداخلية؟
واقع حال القطاع في لبنان
يحتلّ لبنان المرتبة الثانية من حيث أعلى معدّل تضخّم عالمي في العام 2022 بعد السودان. وقد حدد البنك الدولي حجم التضخّم بمعدّل 218 بالمئة خلال العام 2021. كما دق النمو السلبي في الناتج المحلي الإجمالي ناقوس الخطر، بحيث انخفضت نسبته إلى 20 بالمئة في العام 2020. هذا وبلغ إجمالي عائدات القطاع الصناعي اللبناني في السنوات التي سبقت الأزمة 8.8 مليار دولار أميركي في العام 2015، أي ما يعادل 17 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي آنذاك، مقابل 10.5 مليار دولار أميركي العام 2012.
أما عدد العاملين في الصناعة خلال العام 2015، فقد بلغ حوالي 77,700 شخصٍ، أي ما يشكل نسبة 4 بالمئة من القوى العاملة الإجمالية. فيما انقسمت حصيلة القطاع خلال العام نفسه بين 83 بالمئة للاستهلاك المحلي و17 بالمئة للصادرات. واليوم تساهم الصناعة بحوالي 7.5 بالمئة من الناتج القومي، وهي تعتمد على 140.000 عامل أو ما يعادل 25 بالمئة من اليد العاملة المحلية.
هذا وتضم الصناعة العديد من القطاعات الفرعية كالصناعات الغذائية التي تشكل نسبة 19 بالمئة من إجمالي عدد المؤسسات، وصناعة البلاستيك والمواد الكيميائية بنسبة 14 بالمئة، بالإضافة إلى الورق والتغليف والمعادن بنسبة 11 بالمئة. أما الصناعات التي ميزت هذا القطاع في العام 2017، فقد تمثلت بالمجوهرات، الماكينات، المعادن، الأغذية والمواد الكيميائية.
تحديات القطاع الصناعي
على الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي تميز الصناعة في لبنان كالموقع الجغرافي وجودة المنتجات، تشوب هذا القطاع الكثير من العوائق. فبنيته التحتية متهالكة، والنقص في إمدادات الطاقة كبير على الرغم من اعتماد بعض المصانع على الطاقة المتجددة. أما القدرة الشرائية المتهالكة للمستهلك المحلي ففرضت بدورها قيودًا كبيرة. في سياق متصل، شكلت هجرة الشباب اللبناني ضربة كبيرة للقطاع، في ظل معاناة لبنان من نقص في عدد العمّال ذوي المهارات.
تشريعياً الواقع ليس أفضل حالاً، إذ يفتقر لبنان للقوانين الضرورية من أجل تنظيم الصناعة اللبنانية كحماية الإنتاج المحلي والحد من التهريب غير الشرعي.
رؤية حكومية لتحفيز القطاع
“لبنان الصناعة 2025: الرؤية العامة للقطاع الصناعي اللبناني” هو عنوان الخطة التي وضعتها وزارة الصناعة مؤخراً من أجل تحفيز الصناعة “لتساهم بفعالية وثبات في تحقيق التنمية المستدامة”. ورقة العمل هذه، فصّلت العوامل الإيجابية والسلبية التي تنعكس على القطاع، بالإضافة إلى الأهداف العملانية، الخطوات، الأدوات، القوانين والشركاء في هذا المجال. إلا أنها لم تترافق مع خطة عملية واضحة المعالم للتنفيذ. فالتفاصيل المشار إليها في الخطة ليست الأولى من نوعها. أما الحبر على الورق فلم يعد يكف إن لم يترافق مع خطوات عملية واستراتيجية متكاملة تضع القطاع الصناعي على السكة الصحيحة، ضمن اقتصاد منتج لا ريعي، في سبيل تحقيق اقتصاد بنيوي متين ومتكامل قائم على الإنتاج المحلي والاستدامة.
?Lebanese industry: Rent-seeking or productive
Since the 1990s, the economic policies pursued in Lebanon have been centered around a rent-seeking economy rather than productive sectors. This has created an imbalance in growth between sectors and revealed a fundamental problem in the structure of the economy, especially as the trade and services sector has developed independently of other sectors.
The industry has faced numerous challenges in recent years. The COVID-19 pandemic paralysed this sector not only in Lebanon but also worldwide due to disruptions in supply chains and production. Moreover, global energy prices increased due to the Russian-Ukrainian war, which naturally impacted Lebanon. All of these are some of the effects of external factors, but what about internal factors?
The current state of the sector in Lebanon ranks second in terms of the highest global inflation rate in 2022, following Sudan. The World Bank identified the inflation rate at 218% in 2021. The negative growth in the gross domestic product (GDP) is also alarming, as it declined to 20% in 2020. Total revenues of the Lebanese industrial sector in the years preceding the crisis reached $8.8 billion in 2015, equivalent to 17% of the GDP at that time, compared to $10.5 billion in 2012.
The number of workers in the industry in 2015 was around 77,700, accounting for 4% of the total labor force. During the same year, the sector’s revenue was divided between 83% for local consumption and 17% for exports. Today, the industry contributes about 7.5% of the national income, relying on 140,000 workers, equivalent to 25% of the local workforce.
The industry comprises various subsectors, including food industries, which account for 19% of the total number of establishments, plastics and chemicals, at 14%, and paper, packaging, and metals, at 11%. The distinguishing industries in 2017 included jewelry, machinery, metals, food, and chemicals.
Challenges facing the industrial sector Despite the many positives distinguishing the industry in Lebanon, such as its geographic location and product quality, it faces several obstacles. Its infrastructure is deteriorating, and there is a significant energy supply shortage, despite some factories relying on renewable energy. The weakened purchasing power of the local consumer has imposed significant constraints. In this context, the emigration of Lebanese youth dealt a severe blow to the sector, given Lebanon’s shortage of skilled labor.
Legislatively, the situation is not better, as Lebanon lacks the necessary laws to regulate the Lebanese industry, such as protecting domestic production and limiting illegal smuggling.
A government vision to stimulate the sector “Lebanon Industry 2025: The General Vision for the Lebanese Industrial Sector” is the title of the plan recently developed by the Ministry of Industry to stimulate the industry “to effectively and steadily contribute to achieving sustainable development.” This work document outlines the positive and negative factors affecting the sector, as well as practical objectives, steps, tools, laws, and partners in this field. However, it did not come with a clear and practical action plan for implementation. The details mentioned in the plan are not the first of their kind. The ink on paper is no longer enough if it is not accompanied by practical and integrated strategies that put the industrial sector on the right track towards achieving a productive, rather than rent-seeking, economy, leading to a strong and integrated new economy based on local production and sustainability.